• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحدود السياسية في التصور الإسلامي

محمّد رضوان

الحدود السياسية في التصور الإسلامي

◄يقترب الخطاب الإسلامي من نظيره القومي في موقفه من الوضعية الحدودية الحالية بالعالم العربي والإسلامي، بحيث يرفض هذا التصوّر وجود ظاهرة الحدود السياسية التي يرجعها - هو الآخر - إلى مخلّفات القوى الاستعمارية الأوروبية بالعالم الإسلامي قصد تجزئته وإضعافه...

ولعلّ تحليل الخطاب الإسلامي المتعلق بظاهرة الحدود يكشف بجلاء أنّ هذا الخطاب تحكمه ثلاثة اعتبارات أساسية تتصل أوّلاً بالتجربة التاريخية للتنظيم السياسي لإقليم الدولة في الإسلام، وثانياً بالإنتاج الفقهي النظري المرتبط بما ينبغي أن يكون عليه إقليم الدولة الإسلامية، كما تتصل هذه الاعتبارات من ناحية ثالثة بطبيعة تفاعل العالم الإسلامي مع الحركة الاستعمارية التي اجتاحت منذ منتصف القرن الماضي.

إنّ التجربة التي خبرها المسلمون - منذ فجر الدعوة الإسلامية - في مجال التنظيم السياسي والاجتماعي لا تتضمن ما يوحي بتعرّف المسلمين على ظاهرة الحدود أو ما يشبهها في صيغتها الحالية. وإن كانت بعض التنظيمات السياسية التي عرفها التاريخ الإسلامي قد تضمّنت بعض المفاهيم القريبة من أشكال الحدود كالتخوم والثغور التي كانت وظيفتها دفاعية بالدرجة الأولى.

كما شكّلت التجربة التاريخية للمسلمين، التي تخللتها عمليات الفتوحات المتواصلة للعديد من الأقاليم إلى غاية عهد الحكم العثماني، عاملاً تاريخياً آخر في عدم استقرار التنظيم السياسي للمجال الإقليمي لدى المسلمين، بحيث ظل المعيار الأساسي لانتماء المسلمين لا يمت بصلة إلى المجال الجغرافي أو الإقليمي وإنما ظلّ يتحدد باستمرار في الانتماء إلى المجال العقائدي والديني.

وهكذا، كان الخطاب الإسلامي يحرص على تكريس مفهوم الانتماء إلى "الأُمّة" بمفهومها الديني وليس إلى الأقليم، وذلك بهدف توحيد المجموعات البشرية المختلفة والمنتمية عبر الأقطار إلى العقيدة الدينية الإسلامية وإدماجها على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي فضلاً عن وحدتها الثقافية.

ويعود هذا الموقف إلى قناعة أصحابه بأنّ الإسلام كغيره من الديانات الأخرى، يُعدّ مناهضاً لكلّ أنواع التقسيم والتجزئة داخل نمط تنظيمه السياسي والاجتماعي، مما دفع البعض إلى تقديمه كفكر "يرفض الحدود" ويناهضها.

ومما يعزز رفض هؤلاء للحدود كذلك كون المسلمين عملوا - عبر مراحل التاريخ - على توسيع قاعدة "الأُمّة" على أوسع نطاق جغرافي وبشري ممكن، وقاموا منذ نشوء أوّل دولة لهم بالمدينة بتعبئة الجنود لتمديد رقعة هذه الدولة الجديدة إلى أن أصبحت تمتد إلى أقصى غرب البحر الأبيض المتوسط وأقصى مناطق آسيا كالسند وبخارى وخوارزم وسمرقند..

ويبدو أنّ لحدود دار الإسلام وظيفة دفاعية مؤقتة، فوجودها ضروري ومؤكد وتحصينها وتقويتها واجب في أوقات الضعف والخوف في حال قوّة ومناعة هذه الدار وقدرة أفرادها على التوسّع والتغلغل في دار الحرب، ونظراً لهذا الدور الذي تلعبه الحدود، فإنّها عرفت تنظيماً مالياً وإدارياً متميزاً من التنظيمات والدول الإسلامية التي تعاقبت عبر التاريخ.

وقد كان قيام بعض الدويلات داخل البلاد الإسلامية أثناء عملية تفكك هذه الأخيرة، لا يعبّر عن أي مظهر من مظاهر الانتقال إلى حالة التفتت الإقطاعي والتجزئة الشبيهة بتجزئة العصور الوسطى في أوربا، إذ كان الاتجاه الغالب - في ظل هذا الوضع المتفكك - يتمثّل دائماً في حركة "الانجذاب نحو المركزة" وذلك ضمن سلسلة الانتقال من الوحدة إلى التجزئة ثم عودة الوحدة فالتجزئة فالوحدة... وهكذا دواليك.

ومن المعروف، فإنّ البلاد الإسلامية التي ظلّت في الغالب ممتدة "من المغرب على شاطىء الأطلسي حتى الخليج العربي تحت سلطة مركزية واحدة، ولم تكن هناك أية حدود سياسية فيما بين هذه الأقطار، "لم تعرف الحدود السياسية في أشكالها الحالية إلّا على يد الاستعمار الغربي الذي قسّم ديار الإسلام ووضع بينها الحدود المصطنعة والأسلاك الشائكة"►.

 

المصدر: كتاب منازعات الحدود في العالم العربي 

ارسال التعليق

Top